بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله و بعد ...
بائع الفل المتجول – 10-
سيّار في الطرقات ... يبحث عمن يشتري فله ، أو قل من يقترب حتى لينعم بنسمة تحمل عبيرا أرجوانيا أقحوانيا بطعم الفل رائحة ً ، و بعصف الإحساس المشرب بحمرة الرقة و الإنسيابية ملمسًا ...
على أريج الدخان المنبعث من السيارات على الإشارة الضوئية الحمراء يركض مسرعا باتجاه نافذة السيارة الرمادية ليعرض بضاعته على السيدة التي تنتظر بفارغ الصبر الإشارة كي تصبح خضراء... وقف عند النافذة لتلتفت إليه السيدة و تنظر بنظرة شفقة ثم تقوم بفتح النافذة رويدا رويدا و هي تنظر في عينيه ... قال لها : الفل سيدتي ...
أبقت عيناها عليه وقد ذاب خجلا من نفسه من جراء تلك النظرات الحادة المليئة بالشفقة عليه ...أبقت عيناها عليه و جعلت تبحث عن حقيبتها على الكرسي المجاور بيدها دونما التفات إلى الحقيبة ... أخرجت يدها المال لتعطيه إياها ...
أخذت طوق الفل ... كان لها بقية مال كي يعيده إليها ...فجأة بدأت أصوات مزامير السيارات خلفها بالارتفاع ، لقد أصبحت الإشارة خضراء... انطلقت السيدة ... بقي هو متسمرا في مكانه لكن السيارات المندفعة كي تعبر الإشارة أجبرته على الخروج من الشارع إلى الرصيف ، رمى نظره باحثا عن السيارة ... لقد اختفت وسط الزحام فلم يدر ما يفعل ...
انتظر على الجهة المقابلة من الشارع عل السيارة تعود لكن لم تأت ... في آخر النهار ... و بعد بيع أربعة أطواق من الفل عاد قافلا إلى حجرته لينام من عناء الوقوف على قدمين و أحيانا على قدم واحدة تحت لهيب الشمس فوق شارع مجنون ... وضع رأسه على ما يسمى وسادة ليغمض عينيه لكن شيئًا ما بقي في الذهن ... إنها بقية المال و السيدة ... لكن الإرهاق صرعهما فنام ...
مع إشراقة شمس النهار المنبعثة من جمال الله الكوني...فتح باب الحجرة و انطلق إلى ذات الشارع حاملا أطواق الفل علها تقدم له أطواق النجاة من سوء أوضاع معيشية تناجي الطيور الخامصة في أعالي السماء...وصل على الأقدام المنتعلة حذاء جلديا رثا تكاد بواطن القدمين تلتصق بالأرض احتكاكا من هزالته... وصل إلى ذات الشارع ليقف من جديد منتظرا رحمة الإشارة الضوئية كي تصبح حمراء فينطلق باتجاه نوافذ السيارات كي يعرض فله لكنه في الغالب ما يصد ... فلا أحد يلقي له بالا كيف لا وهو يبيع ما لا قيمة له إلا شيئا يسيرا من جمال يذبل في بضعة أيام ...
في أيام أصبح الجمال قبحا لا يقدر إلا بكميات الورق التي تحمل في الجيوب سواء كانت مالا أو دفاتر "شيكات " و على مثله كل جُناح و إثم لإنه لا حيلة له في أن يحمل مثلهما ...
| على موعد مع الأجزاء التالية |
جزاكم الله خيرا
بقلب : عــــــمــــــر
التاريخ : من عهد اختلط فيه الحابل بالنابل و الخبيث بالطيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق