أنا ... آه ٍ على أنا

أنا روح التناقض ، جسد الصحة و السوية ... أنا المتعجل الحل و التمام بروية



أنا ماض أشرق في جنباته صلف القبلية ...أنا المتحضر المتمدن سهل السجية



أنا جدار الصمت اليوم دعائمه قوية ... أنا فرط الكلام العذب أصله حجري القلبية

السبت، 5 مارس 2011

الـــبــَـــطــْــرانـــ ( 1)

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على رسول الله ، و آله و صحبه و من تبعه بإحسان ما تعاقب الليل و النهار و بعد ، فالسلام عليكم و رحمة الله و بركاته


ليس في مسلسل تلفزيوني ... ليست دراما مصرية .. ولا سورية ... ولا هندية ... و لا حتى أمريكية


هكذا يرصف القدر السبل لبني البشر حتى يسيروا في خط الله أعلم به ...لا إجبار و لا إكراه ... اختيار بمطلق الحرية دون أدنى حساب على المدى القريب ... وكل الحساب على مدى بعيد مديد !


هكذا نزلت الدمعتان من عينيه في حجري فما استطعت أن أبقى على كرسيي المرتفع بينما هو على رمل لا يفصله عنه إلا "شبشب" من جلد فيه أحلام و آمال و طموحات لوطء رؤوس كل المتخاذلين و لقمة خبز يضعها في فم أحمد و مروان و حمادة و الطفلتين الصغيرتين !


كان له بيت ...كان


كان له طفل ... كان


كان له فرس و عربة " كارّة" عليها شيء من الخضرة يبيعها ليحصل على 20 أو 30 شيكل في اليوم ... كان


كان لزوجته غسالة و ثلاجة و غاز ... كان


كان للأطفال أحلام و آمال و طموحات لها أظفار ناعمة ... كان


هكذا كانت حياة عائلة البطران من سكان غزة الحبيبة ... غزة الغالية ... غزة الصامدة ... غزة الله في أرضه ...


هكذا كانت حياتهم قبل السابع و العشرين من شهر كانون الأول 2008 ... هكذا كانت حياتهم قبل هذا التاريخ


انطلقت طائرات الإف ستة عشر من مطارات بئر السبع و النقب لتقتلع البيت من أصوله ...و تقتل الفرس الذي كان يجر العربة التي تحمل الخضار ... و لتنتزع أظفار الأمل لدى الأطفال ... لا بل لتأخد الطفل الصغير ذا الثلاث سنوات بالفسفور الأبيض ... ذاك الفسفور الذي أحدث سرطان دم، من شدة فتكه اضطر الأب ليحمله على وهن إلى مصر الشقيقة ... إلى مصر الغالية ... إلى مصر الحكومة ... كي يموت الطفل البريء على معبر رفح بين ذراع والديه ... هكذا ...


هكذا يا أخي تفعل الدواعي الأمنية في الأطفال ... هكذا تنجدهم ... لا عليك أخي القارئ لا عليك فهناك تنسيق !


مات الطفل بالفسفور الأبيض على معبر رفح لمنعه الدخول إلى أرض عواد المصري .. مات فعاد الأب ليدفن ابنه و يدفن معه كبدا من أكباده و يبدأ في مداواة جراح البقية ... الثلاثة الباقية ... و البنتان البريئتان الباقيتان ... و الزوجة الكسيرة ...


لم يجد صاحبنا بعد أن وضعت الحرب العالمية الظالمة على غزة أوزارها مأوى إلا بيتا صنعه هو ... جداران : أحدهما جدار مدرسة ، و الآخر جدار مضخة المياه العادمة ( المجاري) –أعزك الله أيها القارئ الكريم- و الجداران الآخران من إطارات السيارات القديمة المهترئة ... وضع بعضها فوق بعض كي تصبح جدارا يعطيه شيئا من الخصوصية في قصره هذا .


أما سقف البيت فهو صفائح حديدية تتهدم كلما سقط عليها مطر ... أو مطر من نوع آخر ( شظايا القذائف الصهيونية).


هكذا يتجرع الأب مرارة القسوة و هو يرى أبناءه لا يجدون ما يفطرون به قبل ذهابهم إلى المدرسة ... ينظر إلى أعينهم البريئة و تتقطع أحشاؤه على عجزه ...كيف لا و مصدر دخله الوحيد قد أخذته معها شظايا العدوان !


زارتهم قناة القدس الفضائية ... زارت أبا إبراهيم هذا في مملكته التي لا تشبه كثيرا قصور الأمراء و الوزراء و الرؤساء و الأغنياء ...


زراتهم تلك القناة لتقف على معاناتهم ، و تري العالم أن الاحتلال الصهيوني غير إنساني أبدا ...و أن الشعب الفلسطيني شعب ظلمته الدنيا كلها منذ حوالي مئة عام ... تآمر و خيانات ... و لجوء و لجوء و لجوء ... و الكل يبيع في عظمه و يفت في لحمه و يساوم على قليله و كثيره ... إلا من رحم الله ممن لا أعنيهم !


أم إبراهيم زوجة طيبة ، يحبها زوجها و يدللها كما يدلل حبيب حبيبته ، أحضر لها " بابور كاز" حتى تطبخ عليه ما توفر لتطعم الصبية ... و استطاع أن يوفر لها غسالة لكنها ليست أتوماتيكية ... و صنبور الماء في قصرها ليس مذهبا ولا مفضضا و لا حتى حديديا و لا نحاسيا بل هو كما نسميه نحن في فلسطين " بربيج : و هو أنبوب مطاطي يسمى هنا في الخليج الهوز" ... ذاك "البربيج " مطاطي لا يستخدم إلا لسقاية المرزوعات ... يستخدمونه هم لشرب الماء و لأخذ الماء المستخدم في الطبخ!


كانت أمنية أبي إبراهيم أن تعود الفرس إلى الحياة من جديد ... كان يراها في حلمه فهي باب رزقه الأوحد الذي اقتلعته الطائرات الحربية المصنوعة في أميركا...



على حين غرة ... ذهبت قناة القدس الفضائية إلى وزير العمل الفلسطيني في الحكومة المقالة " الانقلابية" في غزة كي تقص عليه القصص لعله يتفكر ... أخرج الوزير " الظلامي" مبلغ 1500 دينار أردني من جيب حكومته " الانقلابية" و أعطاها لهذا القادم من قناة القدس الذي أخذها بدوره و انبعث باتجاه سوق الدواب في غزة ... تفحص كافة أنواع الخيول ، و استجود حتى أجرى صفقة مع أحد التجار و ابتاع الفرس ومعها العربة ( الكارة) .

لم يكتف هذا الصحفي ذو الحس الإنساني و الدم الفلسطيني و العز العربي و الشموخ الإسلامي بهذا ، لا بل مر عمدا لا عرضا على سوق الخضار ... فاصل و جادل حتى استل السعر المناسب من تجار الخضار و عبأ العربة ( الكارة ) بأصناف شتى ... صناديق ( صحارة أو بوكسة كما شئت أن تسميها يا فلسطيني ) الخضار من مثل : البندورة و البطاطا و الخيار و الكوسا و غيرها ...في هذه الأثناء كان أبو إبراهيم يجلس في بيته على الأغلب ينظر إلى عيون أطفاله الذين لا إله لهم إلا الله و لا مأوى لهم إلا عيونه الكسيرة من ظلم الاحتلال ...

انطلق هذا الشاب صاحبنا من جنبات سوق الخضار و في يده خطام الفرس التي تجر العربة ( الكارة ) التي تحمل على حديداتها صناديق الخضار مترسما بخطواته المنفلتة من عقال الاستعجال طريقه الترابي ( الصيفي بلغة الفلاحين) متجها تلقاء "قصر" أبي إبراهيم ... كان في ذات الوقت رجل "انقلابي ظلامي" يركب سيارته " الشبح" و موكبه "الفخم " متجها هو الآخر إلى عين المكان الذي يتجه إليه صاحبنا ... "إلى القصر"...
~~~ تابع الجزء الثاني ~~~

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق